مقالات ووثائق بيداغوجية

أثر المقاربات البيداغوجية على التنشيط التربوي

تمثل هذه المقاربات مرجعيات فلسفية ونفسية واجتماعية مساعدة على مزيد إنارة الحقل البيداغوجي وترشيد عمليات التعليم والتعلم والتربية بصفة عامة وقد استلهمت منها المؤسسات التربوية القائمة على التنشيط التربوي والإجتماعي نموذجا تربويا يطمح إلى ضمان أفضل نماء وتطور للشخصية الإنسانية في مختلف أبعادها .
لقد وجدت المؤسسات التعليمية صعوبات عديدة في التطبيق الفعلي لأغلب هذه النظريات التي لم تغير في الواقع البيداغوجي التعليمي إلا القليل بينما تحولت المؤسسة التربوية الجديدة القائمة على التنشيط التربوي غلى فضاء أكثر اقتدارا على تجسيم التعلم الذاتي وبالتالي التربية الذاتية éducation  L’auto-  في مفهومها الواسع..
لا تتعارض مؤسسة التنشيط مع مؤسسة التعليم بل تسعى إلى التكامل معها للوصول بكل فرد إلى الإقتدار على التنظيم الهيكلي الذهني الذاتي المساعد على التعلم الذاتي أو التربية الذاتية .
مؤسسة التنشيط التربوي والإجتماعي فضاء مستقل: " وغن وظيفتها التربية الذتية انطلاقا من وضعيات بيداغوجية تمكن كل فرد من تنظيم توازنه الذاتي من خلال التبادلات والتفاعلات مع مختلف مكونات محيطه الخاص"
إذ تقوم بيداغوجيا التنشيط على الإحتياجات الحقيقية والأساسية للاطفال عن طريق خلق "الوضعيات التربوية" التي تتنوع فيه الأنشطة حسب خصوصية كل شريحة عمرية من الأطفال في فضاء منظم للوسائل من جهة وللأنشطة من جهة ثانية إن مؤسسة التنشيط التربوي مؤسسة رسمية
للتربية التلقائية من خلال ما تقدمه من مواقع مهيأة للأنشطة الذاتية والجماعية تستجيب للرغبات والطلبات المعبر عنها من طرف الأطفال بينما يقتصر دور المنشط فيها على المساهمة في:
-       إعداد المشروع التربوي
-       التهيئة الوظيفية المتجددة للفضاء التنشيطي
-       التعديل والإثراء للتبادلات الحركية والجماعية عند استغلال المواقع
-       الملاحظة والتقييم لسلوكات الأطفال في التعامل مع المشروع التربوي
-       من هذا المنطلق يتجاوز نموذج التنشيط التربوي المقاربة البيداغوجية التقليدية القائمة بالأساس  
على جعل المعرفة هي القطب الرئيسي في العملية التربوية ليضع الطفل في المقام الأول ونشاطه الذاتي في المقام الثاني وبالتالي فإن تصور وإعداد وانجاز وتنظيم النشاطات في الفضاء التنشيطي تنبثق جميعها من الأطفال لتعود إليهم ... فهم المنطلق وهم الوسيلة وهم الغاية
لقد أصبح الفضاء التنشيطي مخبرا أساسيا مساعدا للأطفال على إنجاز تجاربهم واكتساب خبراتهم ونمو شخصياتهم انطلاقا من مواقع النشاط المهيأة لذلك ومن التبادلات مع الأقران الأتراب في النشاطات الجماعية.
وتنطلق ممارسة كل نشاط من الحاجة التي يعمل المنشط على إثارتها لدى الأطفال وتوفير الظروف والوسائل الملائمة للاستجابة لها...فالحاجة  هي الدافع الرئيسي للتعلم والحافز القوي للنشاط سواء كانت حاجات حركية فزيولوجية ( الحاجة إلى الحركة/ النشاط) حاجات نفسية ( الحاجة إلى الأمن النفسي /إلى التشجيع /إلى الإستقلالية ) حاجات ذهنية ( الحاجة إلى الإكتشاف/ التجريب/الممارسة ) حاجات إجتماعية ( التواصل /التغيير /التبادل /التقدير ...إلخ..)
وبالتالي فإن التنشيط التربوي يقطع مع البرامج الجاهزة المسلطة من الكهل على الطفل ويضع حدا للقوالب الجاهزة والأنشطة النمطية المعدة مسبقا لإسقاطها على الأطفال وينجوا بعادا عن الصورة التي تعتبر الطفل آلة تبرمج من الخارج من طرف الكهل لإعداده للحياة ...ليبني صورة جديدة للطفل تتمثل في اعتباره كائن في حالة تطور un être en état de devenir  قادر على برمجة ذاته بذاته لإحداث توازن وبناء تربيته التلقائية اعتمادا على تجاربه الفردية وتبادلاته الجماعية مع الآخرين...إن التنشيط ينظر إلى الطفل أنه يعيش حياة يجب أن تراعي فيها الأنشطة جميع احتياجاته وخصوصياته ويعيش مشروع حياة يطمح فيه إلى تحقيق الذات وتوازنها وتماثلها.
يساهم ثراء المحيط التربوي بوسائل التنشيط والتعلم في خلق الحاجة للإكتشاف والتجريب والممارسة لدى الأطفال ...فبقدر ما تكون المثيرات متصفة بالجدة والطرافة والتنوع بقدر ما تحفز على التعلم ..وبالتالي فإن عالم التنشيط التربوي والإجتماعي قائم على المثيرات التي تكون منطلقات مخبرية للإكتشاف والمعرفة وتكوين البنيات الذهنية لكل طفل في فضاء مطمئن وآمن ومحفز ومدعم ومشجع حيث تعتبر فيه المحاولة والخطأ عنصرا أساسيا في عملية البناء الذاتي والتعلم .. فالوجدانية أو العاطفة ركيزة ذات أهمية في النشاط ... هذه العاطفة التي تقوم بالأساس على الشعور بالأمن والإستقلالية والإحترام والمحبة والإنصات والتواصل والتعبير الحر...إلخ. إنها المحرك الأساسي للنشاط.
لقد غبر التنشيط التربوي المسار التربوي المعتاد من تربية معتمدة على الكهل إلى تربية معتمدة على الذات حيث أصبح الطفل محور العملية التربوية في جميع أبعادها وأسس مفهوما جديدا للتربية تحت شعار التربية الذاتية L’auto-éducation  فالتربية الحقيقية والإنسانية ليست إلا تلك التربية التي تمكن كل فرد من أن يصبح الفاعل الحقيقي لتربيته الذاتية
«  Le véritable droit universel à l’éducation n’est pas seulement de recevoir une éducation « d’être éduqué par . »mais bien plutôt celui d’accéder  à la possibilité de s’éduquer le centre de gravité du processus éducatif se déplace de l’éducateur au ( s’éduquant) »1
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن التنشيط التربوي والإجتماعي حول غاياته من تنمية الشخصية في مفهومها العام وتنمية القدرة على التكيف الإجتماعي لدى الفرد إلى غاية جديدة متمثلة بالأساس في تمكين كل فرد من تحقيق تربيته الذاتية.
« Il n’y a pas de véritable éducation humaine que celle qui permet à chacun de devenir l’auteur conscient de sa propre éducation . S’éduquer est à soi-même sa propre fin . »2
لا تتحقق هذه التربية الذاتية إلا بجعل الفرد متحملا لمسؤوليته في تربية ذاته عن طريق:
المعرفة: وهي تمشي دينامي معتمد على القدرات الذهنية والوجدانية للفرد .
التجربة: وهي القدرة على التكيف مع وضعيات جديدة وبناء سلوكات جديدة عن طريق المحاولات التجريبية الذاتية
الفعل: حيث يتحول الفرد إلى فاعل ومشارك مؤثر يعترف يختار ويقرر وينتج ويشارك ويقيم
غن التنشيط التربوي قد أحدث ثورة تربوية وثقافية جديدة قائمة على الإختيار الحر للفرد لمسيرته بناء قدره بذاته عوضا عن إجباره بصفة مباشرة وغير مباشرة إلى إتباع واكتساب مسار وقدر محدد بصفة مسبقة .
إنه تعلم لكيف نتعلم بمفردنا .. إنه تعلم لكيف نتغير ونتطور بمفردنا ..إنه تعلم لكيف نكون ...لكيف نعيش.. إن التنشيط تنمية للقدرة على التغيير والتمتع بحياة حرة ومفيدة لدى كل فرد .. بهذه الرؤية يصبح التنشيط التربوي رؤية بيداغوجية جديدة مساعدة على ولادة الإنسان الجديد .
1-Legrand : introduction à l’éducation permaente p60
2-E.Fromm : le drame fondamentale de l’homme  «  the sane society . » n°106 sept 1959 p.42-47





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.

Wikipedia بحث في ويكيبيديا

Résultats de recherche